“النتائج والتوصيات النهائية للدراسة الإستراتيجية حول موضوع الأمن الغذائي” كان محور الندوة التي شارك فيها اليوم الخميس 21 ديسمبر 2017 ، السيد سمير الطيب وزر الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، التي أشرف على إنجازها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

وخلال مداخلته، اعتبر السيد سمير الطيب أن  هذه الندوة تعد فرصة متميزة للوقوف على آخر مستجدات الوضع الغذائي في بلادنا وتشخيص التحديات والإشكالات الواجب معالجتها بغاية  تدعيم الأمن الغذائي وتحديد أولويات العمل ومجالات التدخل قصد تحقيق هذا الهدف باعتبار أن الحقّ في الغذاء يعد من أوكد مقومات الحياة الكريمة وسيادة واستقلالية الشعوب.

ولتحقيق الأمن الغذائي، شدد الطيب على الدور المحوري للقطاع الفلاحي باعتباره منتج لغذاء الاستهلاك المحلي ويساهم في مجهود التصدير من ناحية وباعتباره مصدر رزق لشريحة هامة من السكان من ناحية أخرى، إذ يوفر 16 % من مواطن الشغل. مبينا أن الدولة أولت في إطار سياساتها التنموية منذ الاستقلال عناية خاصة بالقطاع الفلاحي لجعله قادرا على المساهمة بصفة فعالة في الأمن الغذائي، وأن هذه السياسة مكنت من تحسين إنتاجية القطاع الذي سجل نموا متواصلا قدر بـ2.8% خلال العقدين الأخيرين ما جعله يساهم بحوالي 9% في الناتج المحلي الخام وبنسبة 9% في قيمة الصادرات بالإضافة إلى لعب دور هام في تنمية الجهات والمناطق الريفية وفي دفع الصناعات الغذائية.

وأكد وزير الفلاحة أن الإنتاج المحلي يغطي كافة حاجياتنا بالنسبة للعديد من المواد على غرار الخضر والغلال والألبان ومنتجات الدواجن،  وأنه يغطي تقريبا كافة حاجياتنا من اللحوم الحمراء، هذا إلى جانب توفير جزء هام من الإنتاج يتم تصديره. مستدركا أن وضع الأمن الغذائي ببلادنا بقي هشا نظرا لأن بلادنا تورد سنويا حوالي 50% من حاجياتنا من الحبوب، كما تورد حوالي 25%من حاجيات المجترات من الأعلاف و100% من حاجيات الدواجن من الأعلاف. هذا بالإضافة لتوريد نسب هامة من البذور والمشاتل.

وأضاف الطيب أن مخاطر عديدة خاصة منها تقلبات الأسواق العالمية ساهمت في هذه الهشاشة، موضحا أن اللارتفاع الهام الذي شهدته أسعار المواد الغذائية الأساسية كالحبوب والأعلاف والألبان كان لها أثرا سلبيا على الميزان التجاري الغذائي، وأن تواجد بلادنا في منطقة مهددة بالتغيرات المناخية يزيد من حدة هذه الهشاشة. مشددا على أن تحقيق أمننا الغذائي يشكل رهانا أساسيا يستوجب رفعه وفق نظرة منسجمة ومتناسقة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد بما في ذلك مختلف هذه المخاطر والعوامل المؤثرة.

كما أكد السيد سمير الطيب أن نتائج  الدراسة التي قام بها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، بخصوص التوصيات المقترحة في مجال دور القطاع الفلاحي في تعزيز الأمن الغذائي، تتلاءم  مع التوجهات الإستراتيجية التي كانت قد رسمتها الوزارة في إطار سياستها التنموية للفترة المقبلة والتي تعتمد بالخصوص على العناصر التالية:

·        إعادة رسم الأولويات في مجال تعبئة واستغلال الموارد المائية لإحداث التوازن الضروري بين انجاز المنشآت الجديدة وعمليات صيانة وتعهد المنشآت الموجودة ودعم الاستثمار في الموارد المائية غير التقليدية كتحلية مياه البحر واستغلال المياه المستعملة في نطاق تأمين الحاجيات المستقبلية من الموارد المائية خاصة بالمناطق التي تشكو من نقص في الموارد المائية.

·        تطوير البنية الأساسية بالمناطق الريفية بمختلف مكوناتها من طرق ومسالك فلاحية وماء  صالح للشرب وأسواق ومؤسسات صحية وتربوية قصد تحسين ظروف عيش الفلاحين من ناحية واستقطاب المستثمرين من ناحية أخرى.

·        دفع الاستثمار الخاص من خلال استغلال الامتيازات التي جاء بها قانون الاستثمار الجديد لفائدة النشاط الفلاحي وتطوير منظومة المالية الصغرى وتشجيع انتصاب المؤسسات المختصة في القروض الصغرى وكذلك النهوض بالتأمين الفلاحي.

·        تطوير مساهمة القطاع السقوي في الإنتاج الجملي عبر التوسّع وإعادة تهيئة المساحات السقوية القديمة وتحسين مرد وديتها من خلال التكثيف والاستعمال الأمثل لتقنيات الإنتاج وذلك للحد من تذبذب مستوى الإنتاج.

·        تطوير الإنتاج الوطني مع اعتماد الجدوى الاقتصادية والميزات التفاضلية في إطار مقاربة تهدف إلى تنمية الموارد الطبيعية والمحافظة على ديمومتها مع الأخذ بعين الاعتبار لمبادئ التنمية المستديمة بأبعادها الثلاث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في ظل تنامي ظاهرة التغيرات المناخية.

·        تنظيم الفلاحين في إطار هياكل مهنية لجعلهم أكثر فاعلية وقدرة على الدفاع على مصالحهم ولتحسين ظروف تأطيرهم والإحاطة بهم، حيث يعد القطاع أكثر من 516 ألف مستغلة (75% منها لا تتعدى مساحتها 10هك).

·        دعم الترابط بين حلقات المنظومات الفلاحية للتقليص من نسب ضياع وتلف الإنتاج وذلك بتوفير طاقات الخزن والنقل الضرورية، والإقدام على أساليب التحويل الملائمة لخصائص الإنتاج والحفاظ على جودته ونوعيته، بالإضافة إلى مواصلة العمل بالآليات التعديلية لعدد من المواد الإستراتيجية.

·        إيلاء قطاع الصيد البحري وخاصة قطاع تربية الأحياء المائية عناية خاصة نظرا للدور الذي يمكن أن يلعبه في تغطية حاجيات البلاد من البروتينات، من خلال تحديد مناطق خاصة لتربية الأحياء المائية وتحسين نسبة الإدماج لهذا النشاط وتنويع الأصناف المربات.

·        تنويع الصادرات عبر تثمين الخصوصيات المحلية للمنتجات التي لها ميزات تفاضلية على غرار المنتوجات البيولوجية والمنتوجات ذات بيانات المصدر والتسميات المثبتة للأصل، بالإضافة إلى العناية بالتعليب والتوضيب وتنويع الأسواق.

وفي الختام، دعا الطيب الى ترشيد التوريد بإحكام التعامل مع الأسواق العالمية والاستفادة من مؤشراتها لتأمين التزويد المنتظم للبلاد، مع العمل بالتوازي على ترشيد الاستهلاك والتقليص من إهدار الغذاء وخاصة الحبوب. مؤكدا على أهمية اعتماد مقاربة شاملة وتشاركية بين كل الفاعلين المعنيين لتدقيق التوصيات ووضعها حيز التنفيذ بهدف تحسين مستوى الأمن الغذائي واستدامته.